في ليلة هادئة من عام ١٩٧١، في حيٍّ بأريزونا، اختفت عائلةٌ تبدو عاديةً دون أثر. كانت مائدة منزلهم في شارع سيكامور مُجهزةً بأطباقٍ لم تُمسّ، كما لو أن الزمن قد توقف. لأكثر من خمسة عقود، ظلت قضية لانغلي واحدةً من أعظم الألغاز التي لم تُحل في التاريخ الأمريكي. تكهّن الجيران والباحثون ومُنظّرو المؤامرة لسنوات، لكن الإجابات لم تأتِ قط. إلى أن، في مفاجأةٍ غير متوقعة، كشفت كاميرا منسية، عُثر عليها في سوقٍ لبيع الأغراض المستعملة، سرًا أذهل العالم.

تبدأ القصة في ليلة صيف دافئة من عام ١٩٧١. اشتهرت عائلة لانغلي – روبرت لانغلي وزوجته مارغريت وطفلاهما، إميلي (١٢ عامًا) وتوماس (٨ أعوام) – في مجتمعهم بحياتهم الهادئة والروتينية. عمل روبرت محاسبًا في شركة محلية، بينما كانت مارغريت ربة منزل شغوفة بالبستنة. التحق الأطفال بمدرسة الحي، حيث كانوا محبوبين من معلميهم وزملائهم. لم يكن هناك ما يوحي بأن أي شيء غير عادي أو مزعج قد يحدث لهم. لكن في تلك الليلة، تغير شيء ما إلى الأبد.
وفقًا لتقارير الشرطة في ذلك الوقت، أبلغ أحد الجيران السلطات عندما لاحظ هدوءًا غير معتاد في منزل لانغلي. كان الباب الأمامي مواربًا، والعشاء لا يزال ساخنًا على الطاولة، ولم تكن هناك أي علامات على عراك أو سرقة. بدا أن كل شيء يشير إلى اختفاء العائلة ببساطة. لم تسفر التحقيقات الأولية عن أي خيوط مهمة: لا شهود، ولا جثث، ولا شيء غير عادي، باستثناء تفصيل واحد حيّر المحققين: كاميرا بولارويد، منسية في زاوية غرفة المعيشة، والفيلم لا يزال بداخلها.
لعقود، أصبحت قضية لانغلي أسطورة شعبية. اعتقد البعض أن العائلة اختطفت على يد كائنات فضائية، بينما شكّك آخرون في جريمة لم تُحل. تكاثرت النظريات، لكن لم يُقدّم أيٌّ منها إجاباتٍ قاطعة. تتذكر سوزان ميلر، جارةٌ من تلك الفترة لا تزال تسكن في شارع سيكامور: “كان الأمر كما لو أن الأرض ابتلعتهم. كان جميع سكان الحي مرعوبين، لكنهم مفتونين أيضًا. لم يستطع أحدٌ فهم ما حدث”.
ظلّ اللغز غامضًا حتى عام ٢٠٢٣، عندما اشترت المصورة الهاوية كلارا إيفانز كاميرا بولارويد قديمة من سوق خيري في أريزونا. بدت الكاميرا، المغطاة بالغبار والتي تحتوي على لفافة فيلم غير محمّرة، اكتشافًا غريبًا ولكنه تافه. ومع ذلك، عندما قررت كلارا تحميض الفيلم في غرفتها الصغيرة، أذهلها ما وجدته. أظهرت الصور عائلة لانغلي في منزلهم، لكنها لم تكن صورًا عائلية نموذجية. التقطت اللقطات لحظات مُقلقة: وجوه ضبابية، وظلال غريبة على الجدران، وفي الصورة النهائية، شخصية غامضة بدت وكأنها لا تنتمي إلى المكان.

قالت كلارا إيفانز في مقابلة مع صحيفة أريزونا ديلي ستار: “عندما رأيتُ تلك الصور، شعرتُ بقشعريرة. لم أصدق ما رأيت. بدا الأمر كما لو أن تلك الصور تروي قصة لم يسمع بها أحد من قبل”. أثار اكتشافها فضول كلارا، فاتصلت بالمؤرخ المحلي دانيال أورتيز، الذي تعرّف على عنوان المنزل في الصور بأنه منزل لانغلي. وبدأوا معًا في التحقيق في سياق الصور، كاشفين عن حقيقة تفوق المنطق.
كشفت الصور عن أمرٍ أغفله محققو عام ١٩٧١. في إحدى الصور، التي يبدو أنها التُقطت أثناء العشاء، ظهرت نافذة مفتوحة في الخلفية. ومن خلالها، بدا وكأنّ شخصًا بالكاد يُرى يراقب العائلة. لاحظ الخبراء الذين حلّلوا الصورة أن هذا الشخص لم يكن يحمل أي ملامح بشرية مميزة، مما أثار تكهنات حول طبيعته. صرّح أورتيز لبودكاست محلي: “لا أقول إنه أمر خارق للطبيعة، لكنه بالتأكيد ليس طبيعيًا. لا يبدو أن هذا الشخص يتوافق مع أي شيء يمكننا تفسيره بسهولة”.
أدى تحقيق كلارا ودانيال إلى اكتشافٍ أكثر إثارةً للقلق. فعند تتبع مصدر الكاميرا، عثرا على سجلاتٍ تُشير إلى أنها تعود لروبرت لانغلي، وهو هاوٍ للتصوير الفوتوغرافي. إلا أن ما لفت انتباههما كان تدوينةً في مذكرات روبرت الشخصية، عُثر عليها في ملفات الشرطة. كتب فيها روبرت عن “ظلالٍ تتحرك في المنزل” و”ضوضاءٍ لا يستطيع تفسيرها”. هذه الملاحظات، التي رُفضت آنذاك لعدم أهميتها، اكتسبت معنىً جديدًا بعد اكتشاف الصور.
مع انتشار خبر الصور، عادت قضية لانغلي لجذب انتباه الرأي العام. وامتلأت منصات التواصل الاجتماعي، وخاصةً فيسبوك، بالنقاشات والنظريات. أشار بعض المستخدمين إلى أن الصور دليل على ظاهرة خارقة للطبيعة، بينما اعتقد آخرون أنها قد تكون أدلة على جريمة خفية. ولاقت القصة صدىً واسعًا في أريزونا، حيث بدأ السكان المحليون بمشاركة ذكرياتهم وشائعاتهم حول تلك الليلة من عام ١٩٧١. وقالت ماريا غونزاليس، وهي مؤثرة محلية غطت القضية على صفحتها على فيسبوك: “لم يتوقف الناس عن الحديث عنها. إنها قصة من النوع الذي يبقيك مستيقظًا طوال الليل، متسائلًا عما حدث بالفعل”.
ولزيادة الغموض، كشف تحليل جنائي أجرته جامعة أريزونا للصور أنها لم تُعَدَّل. وأكد الخبراء أن الفيلم يعود إلى أواخر الستينيات أو أوائل السبعينيات، وهو تاريخ يتزامن مع تاريخ الاختفاء. ومع ذلك، ظهرت معلومة مُحيِّرة أثناء التحليل: الظلال في الصور لا تتوافق مع أي مصدر ضوء مرئي في موقع الحادث. وقد دفع هذا الاكتشاف البعض إلى التكهن بوجود أمرٍ غامض.
رغم التقدم المحرز، لا تزال قضية لانغلي دون حل. أثارت الصور أسئلةً أكثر من الإجابات، وأعادت السلطات فتح التحقيق لاستكشاف خيوط جديدة. أعربت كلارا إيفانز، التي لا تزال الكاميرا بحوزتها، عن نيتها مواصلة التحقيق. وقالت: “أشعر بمسؤولية تجاه هذه العائلة. إذا استطاعت هذه الصور أن تساعد في كشف الحقيقة، فسأبذل قصارى جهدي لتحقيق ذلك”.
أسرت قصة عائلة لانغلي خيال آلاف الأشخاص حول العالم. في عصرٍ تُضخّم فيه وسائل التواصل الاجتماعي الألغاز، وجدت هذه القضية موطئ قدم لها على منصات مثل فيسبوك، حيث حظيت منشورات الصور بملايين التفاعلات. مزيج التشويق والحنين إلى الماضي والغموض يجعل هذه القصة جذابةً لمن يبحثون عن إجاباتٍ للمجهول.
بينما ينتظر العالم المزيد من الاكتشافات، تُذكرنا قضية لانغلي بأنه حتى أقدم الألغاز يمكن أن تُكشف من جديد. أعادت صور كاميرا بولارويد كتابة قصة ليلة بدت منسية، تاركةً سؤالاً واحداً معلقاً: ماذا حدث حقاً في منزل شارع سيكامور؟ بالنسبة لمن يتابعون هذه القصة، تبدو الحقيقة أقرب من أي وقت مضى، لكنها لا تزال مُحاطة بالظلال.